فصل: تفسير الآيات (51- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (51- 52):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} اختلفوا في نزول هذه الآية وإن كان حكمها عاما لجميع المؤمنين.
فقال قوم: نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول، وذلك أنهما اختصما، فقال عبادة: إن لي أولياء من اليهود كثير عددهم شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وولاية اليهود، ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله: لكني لا أبرأ من ولاية اليهود، لأني أخاف الدوائر، ولابد لي منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه، قال: إذًا أقبل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال السدي: لما كانت وقعة أحد اشتدت على طائفة من الناس وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار فقال رجل من المسلمين: أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أمانا إني أخاف أن يدال علينا اليهود، وقال رجل آخر: أما أنا فألحق بفلان النصراني من أهل الشام وآخذ منه أمانا، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهما.
وقال عكرمة: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة حين حاصرهم فاستشاروه في النزول، وقالوا: ماذا يصنع بنا إذا نزلنا، فجعل أصبعه على حلقه أنه الذبح، أي: يقتلكم، فنزلت هذه الآية.
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في العون والنصرة ويدهم واحدة على المسلمين، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} فيوفقهم ويعنهم {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: نفاق يعني عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين الذين يوالون اليهود، {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} في معونتهم وموالاتهم، {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} دولة، يعني: أن يدول الدهر دولة فنحتاج إلى نصرهم إيانا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا، وقيل: نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه من جدب وقحط فلا يعطونا الميرة والقرض، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} قال قتادة ومقاتل: بالقضاء الفصل من نصر محمد صلى الله عليه وسلم على من خالفه، وقال الكلبي والسدي: فتح مكة، وقال الضحاك: فتح قرى اليهود مثل خيبر وفدك، {أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} قيل: بإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو عذاب لهم، وقيل: إجلاء بني النضير، {فَيُصْبِحُوا} يعني هؤلاء المنافقون، {عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ} من موالاة اليهود ودس الأخبار إليهم، {نَادِمِينَ}.

.تفسير الآيات (53- 54):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}
{وَ} حينئذ، {يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا} قرأ أهل الكوفة: {ويقولُ} بالواو والرفع وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفا على {أَنْ يَأْتِيَ} أي: وعسى أن يقول الذين آمنوا، وقرأ الآخرون بحذف الواو ورفع اللام، وكذلك هو في مصاحف أهل العالية استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها، يعني يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين، {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ} حلفوا بالله، {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: حلفوا بأغلظ الأيمان، {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أي: إنهم مؤمنون، يريد: أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل. قال الله تعالى: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطل كل خير عملوه، {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} خسروا الدنيا بافتضاحهم، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب.
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قرأ أهل المدينة والشام {يرتدد} بدالين على إظهار التضعيف {عن دينه} فيرجع إلى الكفر.
قال الحسن: علم الله تبارك وتعالى أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم الله ويحبونه.
واختلفوا في أولئك القوم من هم؟ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وقتادة: هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس، ومنع بعضهم الزكاة، وهمّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فكره ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عمر رضي الله عنه: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل؟» فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة وقالوا: أهل القبلة، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده، فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره.
قال ابن مسعود: كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه عليه في الانتهاء.
قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لقد قام مقام نبي من الانبياء في قتال أهل الردة.
وكان قد ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق:
منهم بنو مذحج ورئيسهم ذو الخمار، عبهلة بن كعب، العنسي، ويلقب بالأسود، وكان كاهنا مشعبذا فتنبأ باليمن واستولى على بلادها، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم، وعلى النهوض إلى حرب الأسود، فقتله فيروز الديلمي على فراشه، قال ابن عمر رضي الله عنه فأتى الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قُتل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك»، قيل: ومن هو؟ قال: «فيروز، فاز فيروز». فبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود، وقبض صلى الله عليه وسلم من الغد؛ وأتى خبر مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعدما خرج أسامة وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضي الله عنه.
والفرقة الثانية: بنو حنيفة باليمامة، ورئيسهم مسيلمة الكذاب، واسمه ثمامة بن قيس وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر، وزعم أنه أُشرك مع محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، وبعث بذلك إليه مع رجلين من أصحابه، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدان أن مسيلمة رسول الله؟ قالا نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما»، ثم أجاب: «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد فإن الأرض لله يروثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين»، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي، غلام مطعم بن عدي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب، بعد حرب شديد، وكان وحشي يقول: قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام.
والفرقة الثالثة: بنو أسد، ورئيسهم طليحة بن خويلد بن الوليد، وكان طليحة آخر من ارتد، وادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من قوتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الردة، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إليه، فهزمهم خالد بعد قتال شديد، وأفلت طليحة فمر على وجهه هاربا نحو الشام، ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه.
وارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه خلق كثير، حتى كفى الله المسلمين أمرهم ونصر دينه على يدي أبي بكر رضي الله عنه.
قالت عائشة: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب واشرأب النفاق، ونزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها».
وقال قوم: المراد بقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} هم الأشعريون، روي عن عياض بن غنم الأشعري قال: لما نزلت هذه الآية: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى الأشعري» وكانوا من اليمن.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا أبو عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن عمرو بن علقمه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية».
وقال الكلبي: هم أحياء من اليمن ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة، وثلاثة آلاف من أفياء الناس، فجاهدوا في سبيل الله يوم القادسية في أيام عمر رضي الله عنه.
قوله عز وجل: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} يعني: أرقاء رحماء، لقوله عز وجل: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}، ولم يرد به الهوان، بل أراد به أن جانبهم ليِّن على المؤمنين، وقيل: هو من الذل من قولهم دابة ذلول، يعني أنهم متواضعون كما قال الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي: أشداء غلاظ على الكفار يعادونهم ويغالبونهم، من قولهم: عزّه أي غلبه، قال عطاء: أذلة على المؤمنين: كالولد لوالده والعبد لسيده، أعزة على الكافرين: كالسبع على فريسته، نظيره قوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}. {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} يعني: لا يخافون في الله لوم الناس، وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم، وروينا عن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم».
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أي محبتهم لله ولين جانبهم للمسلمين، وشدتهم على الكافرين، من فضل الله عليهم، {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

.تفسير الآيات (55- 56):

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من اليهود، وقال: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فنزل فيهم من قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}، إلى قوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا رسول الله رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء». وعلى هذا التأويل أراد بقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} صلاة التطوع بالليل والنهار، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال السدي: قوله: {والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، أراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه.
وقال جوبير عن الضحاك في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} نزلت في المؤمنين، فقيل له: إن أناسا يقولون إنها نزلت في علي رضي الله عنه، فقال: هو من المؤمنين.
{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} يعني: يتولى القيام بطاعة الله ونصرة رسوله والمؤمنين، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد المهاجرين والأنصار، {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ} يعني: أنصار دين الله، {هُمُ الْغَالِبُونَ}.

.تفسير الآيات (57- 59):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} قال ابن عباس كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام، ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادّونهما، فأنزل الله عز وجل هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا}، بإظهار ذلك بألسنتهم قولا وهم مستبطنون الكفر، {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يعني: اليهود، {وَالْكُفَّارَ} قرأ أهل البصرة والكسائي {الكفار}، بخفض الراء، يعني: ومن الكفار وقرأ الآخرون بالنصب، أي: لا تتخذوا الكفار، و{أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، وصلوا لا صلوا، على طريق الاستهزاء، وضحكوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال السدي: نزلت في رجل من النصارى بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: حُرق الكاذبُ، فدخل خادمه ذات ليلة بنار وهو وأهله نيام فتطايرت منها شرارة فاحترق البيت واحترق هو وأهله.
وقال الآخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا المسلمين فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت- فيما أحدثت- الأنبياء قبلك، ولو كان فيه خير لكان أولى الناس به الأنبياء، فمن أين لك صياح كصياح العنز؟ فما أقبح من صوت وما أسمج من أمر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونزل: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله}، الآية.
قوله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا} الآية. قرأ الكسائي: {هل تنقمون}، بإدغام اللام في التاء، وكذلك يدغم لام هل في التاء والثاء والنون، ووافقه حمزه في التاء والثاء وأبو عمرو في {هلْ ترى} في موضعين.
قال ابن عباس: أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود، أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وغيرهما، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال: أومن {بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}، فلما ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته، وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شرا من دينكم، فأنزل الله هذه الآية {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا} أي: تكرهون منا، {إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} أي: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم، أي: إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على حق، لأنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم لحب الرياسة وحب الأموال.